السبت 30 نوفمبر 2024

رحلة الآثام ل منال سالم

انت في الصفحة 52 من 80 صفحات

موقع أيام نيوز


المتأخرة تاركا خلفه رفيقه المتطفل ووالدته الحزينة. وليتأكد من ظنه انطلق أوس تجاه النافذة أزاح طرف الستارة البيضاء ونظر بعينين ضيقتين إلى البقعة الخالية بالأسفل. تأهبت حواسه فجأة وكأن نداء الاستنفار سرى بها عندما سمع أصواتا متداخلة تقترب من غرفته. في التو اندفع ركضا تجاه فراشه ثم استلقى عليه وسحب الغطاء على جسده مدعيا استغراقه في النوم العميق.

في هذه الأثناء وبهدوء شديد الحذر قامت تهاني بفتح الباب وأطلت منه دون أن تزيح يدها من على المقبض كأنما تخشى إن فتحته أن توقظ صغيرها بطريق الخطأ. من خلفها وقف ممدوح يسألها بشيء من المزاح الثقيل
إيه يا حبيبتي إنتي هتباتي الليلادي عنده ولا إيه
أجابته بصوت شبه مرتجف كما لو كانت تتحرج مما حدث
كنت عاوزة أطمن عليه صعبان عليا أوي اللي بيحصل معايا ومعاه!
اعترض عليها في نبرة جادة مشوبة بالحقد رغم خفوتها
ما هو كويس وبخير أهوو ده ابن مهاب وأبوه زي ما إنتي عارفة مستعد يجيبله الدنيا كلها تحت رجليه.
ما لبث أن تحولت نبرته للسخرية حين أكمل
ده في سابع نومة مش دريان بحاجة.
ثم امتدت يده لتلتف حول خصرها لتطوقها منه وطلب منها وهو يدنو برأسه بالقرب من أذنها ليخاطبها في همس عابث
خليني أنا أبات في حضنك ما تحرمنيش من قربك ده.
وقتئذ تشنجت عضلات أوس وتحفز في نومته فهذه العبارة لم تكن مريحة أو مقبولة له بالمرة تحيرت أفكاره وأصابه التخبط فكيف لأمه أن تسمح لهذا اللزج بلمسها والتودد إليها هناك أمر ما خاطئ يحدث وهو لا يستطيع تفسيره أو فهمه.
سحبها ممدوح للخارج على مرأى ومسمع من الصغير الذي بقى متجمدا في موضع نومه يشاهد بنصف عين ما يدور باستنكار جلي. سرعان ما استلت تهاني يدها من على المقبض لتلتف تجاهه وتنظر إليه باشتهاء ورغبة تعلقت بذراعيها حول عنقه فدللها الأخير بإغراء أكبر ليجعلها تذوي وتذوب وتطلب المزيد. لم يكترث للحظة بمسألة ترك الباب الخاص بغرفة الصغير مواربا ولم يهتم إن استيقظ ورأى ما يفعله بأمه.
رغما عنه أجبر أوس على مشاهدة توددهما الحميمي بهذا الشكل الفج والنافر مما جعل عقله يصاب بشيء من الصدمة والذهول. انفلتت شهقة خجلى مصحوبة بضحكة مائعة من تهاني حينما انحنى ممدوح قليلا ناحيتها ليحملها على كتفه ركلت بساقيها في الهواء بخفة وسألته في غنج خجل
إنت بتعمل إيه نزلني!
أخبرها وهو يهم بالسير بها بعيدا
كان نفسي أعمل كدده من زمان.
هتفت في التو وكأنها انتبهت لمدى التجاوز الدائر أمام غرفة صغيرها
طب استنى أقفل الباب لأحسن أوس يصحى أو يشوفنا.
ضحك في تسلية وبصوت شبه مرتفع ليقول بعدها بغير مبالاة
وماله خليه يتعلم إزاي يدلع حبيبته ويبسطها!
لحظتها انقبض قلب الصغير بشكل مفزع وبدا رافضا لهذا التجاذب غير المستساغ بينهما ظل عقله يمتلئ بعشرات الأسئلة دون أن يجد لها أي إجابة مقنعة أين والده من ذلك لماذا رحل ليلا وترك أمه مع غيره يفعل بها مثلما اعتاد أن يفعل حينما يختليا معا أليس من المفترض أن ينصرف رفيقه قبل ذهابه أخذ يفكر ويعتصر رأسه محاولا استيعاب الخلل الحاډث في هذه العلاقة المريبة!
وقتما انفرد بها في غرفة نومها راودها هذا الإحساس الغريب والمقلق بأن مهاب رغم غيابه يراقبهما للحظة شعرت وكأنه سيداهم المنزل ليمسكها بالجرم المشهود فيحيل حياتها إلى چحيم بشكل قاس. استنكر
هذه الرهبة الغريبة منها وسألها في عبوس
مالك
مدفوعة بتوترها الحرج ردت وهي تتراجع عنه
حاسة إني مش مرتاحة في حاجة غلط.
تفرس فيها معلقا بجدية
جوازنا شرعي يا تهاني!!
ازدردت ريقها وأوضحت له مخاوفها
أيوه عارفة ده بس مهاب مش سهل يسيب حاجة معتبرها ملكيته الخاصة.
صحح لها في إصرار 
بس إنتي مابقتيش خلاص بتاعته!
وهو لا يزال يتابع
إنتي من النهاردة ليا لواحدي.
بالتدريج استكانت رهبتها مع مداعبته اللطيفة أغمضت عينيها مستمتعة بإحساس الأمان الذي راح يبثه لها فواصل ممدوح على نفس المنوال
وأنا عارف إزاي أنسيكي كل حاجة...
توقف لهنيهة عن الكلام قبل أن يتم جملته ضاغطا على كل حرف فيها ببطء
وخصوصا مهاب!
بعدئذ شرع في البدء في وصلة متمرسة من الملاطفات والمغازلات المحفزة والودية ليجعلها تضحك وتتفاعل معه ثم استخدم أسلوبه الاحترافي لتتجاوب مع ما يمنحه لها من تشويق ومتعة ناداها هامسا بحروف اسمها في تناغم مثير فذابت أكثرر واتقدت مواطن المشاعر بها. كانت بين يديه كمن يغفو من نشوة الخمر الممزوج بعواصف الهوى.
في قربه منها لاحظت تهاني أن طريقة ممدوح معها مغايرة تماما لما عايشته مع مهاب فالأخير مال أسلوبه للإهانة والإذلال بينما الأول لجأ للتدليل كلاهما كانا على النقيض في تعاملهما معها لتشعر بالفارق الكبير بينهما حتى في الأمور الحسية والرغبات الجسدية.
تعمد ممدوح استخدام هذه الوسائل الناعمة ليجعلها طوع بنانه طامعة دوما فيما يقدمه لها فإن حانت لحظة الانفصال بينهما ظهرت نتائج ذلك برفضها كليا العودة إلى زوجها السابق فيحقق بذلك انتصارا جديدا عليه بإفساد علاقتهما نهائيا!
على الفراش الدافئ وتحت الأغطية الحريرية الناعمة استلقت بجواره وعيناها متعلقتان بأصابعهما المتشابكة معا كما لو أنها تحاول بشتى السبل المتاحة حفر هذه الذكرى المميزة بتفاصيلها الممتعة في ذاكرتها للأبد كانت في حالة انسجام غير طبيعية معه لم تصدق أنها أسلمت له نفسها بهذه السلاسة وكأنها متحرقة شوقا لاقترابه ولم يبخل عليها بما يجيده لتتذوق معه معاني الاختلاف والتفرد. رفعت تهاني عينيها الناعستين لتنظر إليه واستطردت متحدثة في صوت خاڤت يحمل قدرا من التوجس
خاېفة أكون بحلم.
وهو يخاطبها بلطافة زائدة
أوعي تخافي وأنا جمبك.
رمشت بعينيها متابعة في خوف متأصل بداخلها
بس مهاب...
اغتاظ من اقټحام رفيقه حتى لأشد لحظاتها خصوصية فعاتبها في رقة رغم انقلاب ملامحه
ينفع تفكري في حد تاني وإنتي في حضڼ جوزك
في التو اعتذرت منه لرعونة لسانها مبررة موقفها
أنا أسفة مقصدش بس إنت عارف الوضع معاه كان عامل إزاي ومش سهل عليا أنسى اللي شوفته.
استشعر التوتر في صوتها فهون عليها الأمر بقوله المقتضب لكنه عنى لها الكثير
عارف وفاهم!
عمد إلى تغيير مجرى الحديث إلى شيء آخر ممتع فسألها مقترحا
تحبي نقضي بكرة فين
تنهدت بعمق وأجابته بغير اهتمام
مش جاي في بالي حاجة ده غير إن ماينفعش أسيب أوس لواحده وآ...
قاطعها بوجه مال للعبوس
هو معاه المربية بتاعته ...
كادت تعترض عليه لكنه أسكتها بإصراره
اعتبري نفسك في تكليف طبي عاجل!
ثم أحنى رأسها على شفتيها يقبلها منهما بقبلة عاشقة لم تعهد مثلها طوال سنوات زواجها قبل أن يتوقف ليهمس لها
أنا عاوز أعيشك في الجنة معايا.
أنهى جملته بالشروع في تجديد طقوس العشق معها لتتناسى تماما ما كان يؤرقها مضطجعها قبل لحظات.
منذ أن تزوجت به رسميا وهي تحاول جاهدة بكل طاقاتها أن تجعل حياتها الأسرية مستقرة رغم كل المعوقات والعقبات التي واجهتها. صمدت وكافحت وكابدت العناء لئلا تهدم ما سعت لبنائه وإن كان عدم الانجذاب قائما بينها وبين زوجها. كان الأخير يؤدي ما عليه من واجبات بشكل روتيني ثابت وهي تلتزم بما
فرض عليها دون شكوى أو كلل لكن هذه المرة فاق الأمر قدرتها على الاحتمال أو السكوت
لم تطق فردوس الذهاب أو المشاركة في مراسم الډفن والعزاء الخاصة بشقيق زوجها وكيف لها أن تفعل وقد راح يطعن بافتراء مجحف عليها لمجرد أن والدته لا ترتضي بها زوجة لأي من أبنائها واستها إجلال في مصابها وسعت لتخفيف وطأة قساوة هذا الأمر عليها بترديدها
هوني على نفسك يا حبيبتي بلاش تقهريها أكتر من كده!
ردت عليها بصوتها الباكي المبحوح ودموعها تسال بغزارة
هو اللي أنا فيه قليل يرضي مين بس اللي بيحصلي ده!
أخبرتها بيقين
ربنا موجود وبيخلص!
ثم سكتت للحظة قبل أن تفصح لها عن هاجسها المحير
بس أنا خاېفة الناس تفهم غيابك غلط ويفسروه بحاجات تانية ما إنتي فاهمة اللي مايعرفش يقول عدس.
صاحت في حړقة والألم يعتصر قلبها
محدش ليه حاجة عندي أنا اللي موجوعة أنا اللي اتظلمت.
أمسكت بعدئذ فردوس بمنديلها القماشي ومسحت به دموعها قبل أن تضعه على أنفها لتجفف ما سال منه وهي لا تزال تنوح في أسى وحنق
ربنا يجحمه مطرح ما راح الظالم المفتري قبل إزاي على نفسه كده
لم تجد إجلال ما تعلق به عليها فلها كل الحق في اتخاذ موقف معاد جراء ما حدث تركتها تفرغ ما يملأ صدرها من ڠضب محموم واستمعت إليها وهي تكمل في كراهية معللة
منها لله أمه عقبال ما أشوف بعيني اڼتقام ربنا فيها!
اكتفت بهز رأسها تعاطفا معها وامتنعت عن ممارسة أي ضغوط أخرى لإقناعها بفعل العكس فما انقطع بقساوة لا يمكن أن يوصل ببساطة!
جلس في مقدمة الصفوف يتابع عن كثب وباهتمام غير طبيعي واحدة من اللقاءات الاجتماعية المقامة في النادي ليس لأنه من محبذي هذه الموضوعات النسائية أو لكونه من داعمي تلك القضايا المطروحة بل لأنها من ضمن المشاركين في هذا التجمع. استغل مهاب معرفته بإحدى العضوات ذات الصلة الوثيقة ب ناريمان ليجري معها نقاشا جادا حول إحدى المسائل المرتبطة بذلك اللقاء على أمل أن تأتي رفيقتها إليها فيتمكن من التحاور معها استغربت السيدة لتحمسه الزائد عن الحد وسألته بشيء من الفضول
من إمتى بتهتم بالاجتماعات النسائية دي يا دكتور
ابتسم في وقار فتابعت متبسمة بتشكيك محسوس
احنا نادرا لما بنشوفك أصلا هنا في النادي.
باحترافية محنكة أعطاها حجته المنطقية التي انطلت عليها في الحال
ده لظروف سفر المستمرة كل شوية بس أنا بحب أتابع كل جديد يخدم المجتمع وخصوصا السيدات والبنات.
تطلعت إليه بغرابة وهي تعقب على ما أدلى به
مع إنك راجل يعني الأفضل تدعم المجتمع الذكوري.
أوضح لها بهدوء
مين قال كده بالعكس أنا مع المرأة جدا وآ..
قطع نقاشهما المتحضر إطلالة ناريمان الرقيقة عليهما وهي تلقي التحية بدلال
هاي.
نهضت السيدة من مقعدها واحتضنتها في محبة قبل أن تمتدح جهودها بفخر
ناريمان كنتي روعة النهاردة.
ردت مجاملة وهي تدور بعينيها على الضيف المألوف الذي نهض أيضا لتحيتها
ميرسي.
امتدت يد مهاب لمصافحتها وهو يخاطبها برسمية مهذبة
أهلا يا هانم.
قالت في نعومة وهي تمنحه كفها ليصافحه
أهلا بيك.
لم يترك كفها بل انحنى قليلا بعدما رفعه إلى فمه ليقبله ثم أسبل عينيه وسألها بملامح اتخذت شكلا جديا
أخبارك إيه يا هانم وإزي الوالد
تفاجأت مما اعتبرته رقيا زائدا واستعادت يدها مبتسمة لتعقب بتحير
لو مخانتنيش الذاكرة فأنا شوفت حضرتك قبل كده مظبوط
أكد لها ظنونها بنفس الوجه الهادئ الممزوج بملامح الجدية
ده حقيقي كنت مع والدك شوقي باشا من قريب عشان الشراكة الجديدة مع عيلة الجندي.
هزت رأسها كأنما استحضرت الذكرى وردت
أها افتكرت.
إضاعة فرصته معها كان مستبعدا لذا استأذن بلباقة وهو يشير بيده
إلى طاولته
تسمحيلي أعزمك على حاجة
رفضت بشكل حاسم
مش هينفع أنا مرتبطة بمواعيد.
لم يبد مهاب منزعجا من رفضها المحرج له وأضاف بدبلوماسية راقية
مافيش مشكلة كفاية إني شوفتك النهاردة.
اندهشت أكثر لطريقته الرسمية
 

51  52  53 

انت في الصفحة 52 من 80 صفحات